الرجل الذي يهوى الهزائم… وإضاعة الوقت
تذكرون جميعاً معركة حكم البلد دون واحدة من أكبر مكوّناته الطائفية؛ خاض فؤاد السنيورة المعركة يومها بالنيابة عن سعد الحريري بكل شجاعة ووقاحة، غير مبالٍ بأكثر من مليون مواطن حاصروا سراياه من جميع الجهات؛ أسبوعاً تلو الشهر تلو العام، حتى هُزم سعد الحريري وتكرّس مصطلح الميثاقية؛ دستوراً فوق جميع الدساتير بما فيها الطائف.
لفّ سعد حول هزيمته وعاد رافضاً منح الثلث المعطل لمن يستحقه (وأكثر، بحكم تمثيله النيابي)؛ عاند ثم عاند ثم عاند، مضيعاً الوقت فوق الوقت فوق الوقت، إلى أن هُزم مجدداً فحصلوا على الثلث ثم النصف ثم الثلثين وحبة مسك.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد حاملاً البند الوزاريّ تلو الآخر في سلة مطالب المحكمة الدولية، مضيعاً الوقت فوق الوقت، قبل أن يُهزم مجدداً.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد يهدّد الرئيس السوري ويتوّعده، مضيعاً الوقت فوق الوقت، قبل أن يشير له وليّ نعمته فيتجه مُطأطأ الرأس إلى قصر المهاجرين ليبيت في سرير الأسد ويعود رئيساً للحكومة.
اِلْتَفَّ حول هزيمته ومضى في معارضة تولي فلاناً وعلتاناً هذه الوزارة أو تلك، مضيعاً الوقت فوق الوقت، إلى أن رضخ للحق البديهيّ لكل مكوّن باختيار وزرائه بنفسه.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد يعارض حق العماد ميشال عون بالوصول إلى الرئاسة الأولى، مهدّداً ومتوّعداً، قبل أن ينعطف من عليائه ليبحث عن مخرج في باريس يحفظ له ماء وجهه من هزيمة نكراء جديدة.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد يعارض مبدأ النسبية، وإذ بخصومه يأخذون النسبية وقانون مفصّل على قياس إنهاء الأحادية السنية عبر أكثر من عشرة نواب سنة غير مستقبليين.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد يعارض تمثيل النواب السنة غير المستقبليين بوزير في حكومة يرأسها هو شخصياً؛ مضيعاً الوقت فوق الوقت، أياماً وأسابيع وشهرين، قبل أن يُهزم مجدداً، هزيمة نكراء.
اِلْتَفَّ حول هزيمته وعاد ليراوغ ويخادع بعد 17 تشرين، مستفيداً من ثقة شيعية عمياء به، لا أحد يعرف أين تكوّنت أو كيف أو متى أو لماذا، إلا أنّ طبعه غلب تطبّعه فخسر بحماقة إضافية واحدة هذه الثقة كلها. ولم يكتفِ بوضع حزب الله بظهره إنّما حزب الله والرئيس نبيه بري.
ها هو اليوم في محطة جديدة من محطات كثيرة، انتهت جميعها بانهزامه شرّ انهزام. رجل جميع المجالس والهيئات والبواخر والصناديق لا يتعلّم شيء من تكرار الأخطاء؛ يضيّع الوقت؟ نعم. تنجح الماكينة المؤازرة له بقلب الكثير من الحقائق؟ نعم أيضاً. لكن الثابت الأكيد والوحيد أنه سيُهزم هذه المرة، كما في كل مرة. ومع ذلك فهو لن يتضرّر أبداً؛ هو أدمن الهزائم، المتضرّر الوحيد هذه المرة وكل مرة هو المواطن الذي يدفع ثمن إضاعة الحريري للوقت حتى يتأكد مرة أخرى أنّه أضعف بكثير من أن يفوز بمعركة.
الحريري وليس أي أحدٍ آخر هو من أضاع كل هذه السنوات من عمرنا في محاولة فرض الشروط ورفض هذا البند أو ذلك، قبل أن يعود ويرضخ مقابل مشروع صغير هنا أو كبير هناك.
يا رجل؛ كفَّ عنا شرّك ومعاركك العبثية وكل إضاعة الوقت هذه؛ لست بموقع يتيح لك وضع أية شروط.
غسان سعود